فصل: قال في ملاك التأويل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والأزرقي عن عبد الله بن عثمان بن خثيم رضي الله عنه قال: قدم علينا وهب بن منبه مكة فاشتكى، فجئنا نعوده فإذا عنده من ماء زمزم، فقلنا: لو استعذبت فإن هذا ماء فيه غلظ. قال: ما أريد أن أشرب حتى أخرج منها غيره، والذي نفس وهب بيده إنها لفي كتاب الله مضنونة، وإنها لفي كتاب الله طعام طعم، وشفاء سقم، والذي نفس وهب بيده لا يعمد إليها أحد فيشرب منها حتى يتضلع إلا نزعت داء وأحدثت له شفاء.
وأخرج الأزرقي عن كعب رضي الله عنه. أنه قال: لزمزم أنا نجدها مضنونة ضن بها لكم، وأول من سقي ماءها اسمعيل عليه السلام، طعام طعم وشفاء سقم.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور والأزرقي والحكيم الترمذي عن مجاهد رضي الله عنه قال: ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تريد الشفاء شفاك الله، وإن شربته لظمأ رواك الله، وإن شربته لجوع أشبعك الله، وهي هزمة جبريل عليه السلام بعقبه، وسقيا الله لإسمعيل عليه السلام.
وأخرج بقية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خير واد في الناس وادي مكة، ووادي الهند الذي هبط به آدم عليه السلام، ومنه يؤتى بهذا الطيب الذي تطيبون به. وشر واد الناس واد بالأحقاف، ووادي حضرموت يقال له برهوت، وخير بئر في الناس بئر زمزم، وشر بئر في الناس بئر برهوت، وإليها تجتمع أرواح الكفار.
وأخرج الأزرقي من طريق عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صلوا في مصلى الأخيار، واشربوا من شراب الأبرار.
قيل لابن عباس: ما مصلى الأخيار؟ قال: تحت الميزاب. قيل: وما شراب الأبرار؟ قال: ماء زمزم.
وأخرج الأزرقي عن ابن جريج رضي الله عنه قال: سمعت أنه يقال: خير ماء في الأرض ماء زمزم، وشر ماء في الأرض ماء برهوت، شعب من شعب حضرموت.
وأخرج الأزرقي عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: إن إيليا وزمزم ليتعارفان.
وأخرج الأزرقي عن عكرمة بن خالد رضي الله عنه قال: بينما أنا ليلة في جوف الليل عند زمزم جالس إذا نفر يطوفون عليهم ثياب بيض لم أر بياض ثيابهم بشيء قط، فلما فرغوا صلوا قريبًا منا، فالتفت بعضهم فقال لأصحابه اذهبوا بنا نشرب من شراب الأبرار. فقاموا فدخلوا زمزم فقلت: والله لو دخلت على القوم فسألتهم. فقمت فدخلت فإذا ليس فيها أحد من البشر.
وأخرج الأزرقي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: تنافس الناس في زمزم في الجاهلية، حتى أن كان أهل العيال يغدون بعيالهم فيشربون فيكون صبوحًا لهم، وقد كنا نعدها عونًا على العيال.
وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت زمزم تسمى في الجاهلية شباعه، وتزعم أنها نعم العون على العيال.
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والأزرقي والبزار وأبو عوانة والبيهقي في سننه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قدمت مكة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «متى كنت ههنا؟» قلت: أربع عشرة. وفي لفظ: قلت ثلاثين من بين يوم وليلة. قال: «من كان يطعمك؟» قلت: ما كان لي طعام ولا شراب إلا ماء زمزم فما أجد على كيدي سحقة جوع، ولقد تكسرت عكن بطني. «إنها مباركة إنها طعام طعم، زاد الطيالسي وشفاء سقم».
وأخرج الأزرقي عن رباح بن الأسود رضي الله عنه قال: كنت مع أهلي بالبادية، فابتعت بمكة فاعتقت، فمكثت ثلاثة أيام لا أجد شيئًا آكله، فكنت أشرب من ماء زمزم، فشربت يومًا فإذا أنا بصريف اللبن من بين ثناياي، فقلت: لعلي ناعس...! فانطلقت وأنا أجد قوة اللبن وشبعه.
وأخرج الأزرقي عن عبد العزيز بن أبي رواد رضي الله عنه. أن راعيًا كان يرعى وكان من العباد، فكان إذا ظمئ وجد فيها لبنًا، وإذا أراد أن يتوضأ وجد فيها ماء.
وأخرج الأزرقي عن الضحاك بن مزاحم رضي الله عنه قال: إن الله يرفع المياه قبل يوم القيامة غير زمزم، فتغور المياه غير زمزم، وتلقي الأرض ما في بطنها من ذهب وفضة، ويجيء الرجل بالجراب فيه الذهب والفضة فيقول: من يقبل هذا مني؟ فيقول: لو أتيتني به أمس قبلته.
وأخرج الأزرقي عن زر بن حبيش قال: رأيت عباس بن عبد المطلب في المسجد الحرام وهو يطوف حول زمزم يقول: لا أحلها لمغتسل وهي لمتوضئ وشارب حلُّ وبلٌّ.
وأخرج الأزرقي عن ابن أبي حسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى سهيل بن عمرو يستهديه من ماء زمزم، فبعث له براويتين.
وأخرج عبد الرزاق والأزرقي عن ابن جريج عن ابن أبي حسين واسمه عبد الله بن أبي عبد الرحمن قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سهيل بن عمرو: «إن جاءك كتابي ليلًا فلا تُصبِحَنَّ، وإن جاءك نهار فلا تُمْسِيَنَّ حتى تبعث إليَّ بماء من زمزم، فملأ له مزادتين وبعث بهما على بعير».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استهدى سهيل بن عمرو رضي الله عنه من ماء زمزم.
وأخرج ابن سعد عن أم أيمن رضي الله عنهما قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا صغيرًا ولا كبيرًا جوعًا ولا عطشًا، كان يغدو فيشرب من ماء زمزم فاعرض عليه الغداء فيقول: لا أريده أنا شبعان.
وأخرج الدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خمس من العبادة: النظر إلى المصحف، والنظر إلى الكعبة، والنظر إلى الوالدين، والنظر في زمزم وهي تحط الخطايا، والنظر في وجه العالم».
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد رضي الله عنه. أنه كان إذا شرب من زمزم قال: هي لما شربت له.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما من رجل يشرب من ماء زمزم حتى يتضلع إلا حطَّ الله به داء من جوفه، ومن شربه لعطش روي، ومن شربه لجوع شبع.
وأخرج عبد الرزاق عن طاوس رضي الله عنه قال: ماء زمزم طعام طعم، وشفاء سقم.
وأخرج الفاكهاني عن سعيد بن أبي هلال رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عينًا له إلى مكة فاقام بها ليالي يشرب من ماء زمزم، فلما رجع قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان عيشك؟ فأخبره أنه كان يأتي زمزم فيشرب من مائها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها شفاء من سقم وطعام من طعم.
وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة سقاه من ماء زمزم.
وأخرج الفاكهاني عن مجاهد رضي الله عنه قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما إذا نزل به ضيف أتحفه من ماء زمزم، ولا أطعم قومًا طعامًا إلا سقاهم من ماء زمزم.
وأخرج أبو ذر الهروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت أهل مكة لا يسابقهم أحد إلا سبقوه، ولا يصارعهم أحد إلا صرعوه حتى رغبوا عن ماء زمزم.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد رضي الله عنه قال: كانوا يستحبون إذا ودعوا البيت أن يأتوا زمزم فيشربوا منها.
وأخرج السلفي في الطيوريات عن ابن حبيب رضي الله عنه قال: زمزم شراب الأبرار، والحجر مصلى الأخيار. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج} الآية.
الجمهور على قراءة {سِقايةَ}، و{عِمارةَ} مصدرين على فِعالةٍ، كـ: الضِّيافة، والوِقاية والتِّجارة، ولم تقلب الياء همزة، لتَحصُّنها بتاء التأنيث، بخلاف رِدَاءة، وعِباءة، لطروء تاء التأنيث فيهما، قاله الزمخشريُّ.
واعلم أنَّ: السِّقاية فعلٌ، وقوله: {مَنْ آمَنَ بالله} [التوبة: 18] إشارة إلى الفاعل، فظاهر اللفظ يقتضي تشبيه الفعل بالفاعل، والصفة بالموصوف، وإنّه محالن وحينئذ فلابد من حذف مضاف، إمَّا من الأول، وإمَّا من الثَّاني، ليتصادق المجعولان، والتقدير: أجعلتم أهل سقايةِ الحاجِّ، وعِمارة المسجد الحرام كمَنْ آمَنَ، أو أجعلتم السقاية والعِمارة كإيمان مَنْ آمَنَ، أو كعملِ من آمَنَ، ونظيره: {لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المشرق والمغرب ولكن البر مَنْ آمَنَ بالله} [البقرة: 177]، وقيل: السِّقاية والعمارة يعني: السَّاقي والعامر، وهذا كقوله: {والعاقبة للتقوى} [طه: 132]، أي: للمتقين، والمعنى: أجعلتم ساقي الحاج وعامر المسجد الحرام كـ {كَمَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر}.
ويدلُّ عليه قراءة أبي وابن الزبير والباقين كما يأتي قريبًا.
وقرأ ابنُ الزُّبير والباقر وأبو وجزة {سُقَاة... وعمرة} بضمِّ السين، وبعد الألف تاء التأنيث، وعَمَرة بفتح العين والميم دون ألف، وهما جمع ساقٍ، وعامر، كما يقال: قاضٍ وقُضاة، ورَام ورُمَاة، وبارٌّ وبَرَرة، وفاجِر وفَجَرة.
والأصل: سُقَيَة، فقُلبت الياء ألفًا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، ولا حاجة هنا إلى تقدير حذف مضافٍ، وإن احتيج إليه في قراءة الجمهور.
وقرأ سعيد بن جبير كذلك، إلاَّ أنه نصب {المسجِد الحرَام} بـ {عَمَرَة}، وحذف التنوين لالتقاء الساكنين؛ كقوله: [المتقارب]
ولا ذَاكِرَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلًا

وقوله: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد} [الإخلاص: 1- 2].
وقرأ الضحاك {سُقَاية}، {عمرة}، وهما جمعان أيضًا، وفي جمع ساقٍ على فُعَالة نظرٌ لا يَخْفى، والذي ينبغي أن يقال: أن يُجْعل هذا جمعًا لسِقْي والسِّقْي هو الشيء المَسْقِي كالرِّعْي، والطِّحن.
وفِعْل يُجمع على فُعال، قالُوا: ظِئْر وظُؤار، وكان من حقه ألا تدخل عليه تاء التأنيث، كما لم تدخل في: ظُؤار، ولكنه أنَّث الجمع، كما أنَّث في قولهم: حِجَارة، وفُحولة، ولابد حينئذٍ من تقدير مضافٍ، أي: أجعلتم أصحاب الأشياءِ المَسقيَّة كمَنْ آمَنَ؟.
قوله: {لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ الله}
في الجملة وجهان:
أظهرهما: أنَّها مستأنفةٌ، أخبر تعالى بعدم تساوي الفريقين.
والثاني: أن يكون حالًا من المفعولين للجعل، والتقدير: سَوَّيْتُم بينهم في حال تفاوتهم. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قال تعالى: {والله لا يهدى القوم الظالمين} وورد بعد هذا بآيات {والله لايهدى القوم الفاسقين} وبعد الحزب الأول من هذه السورة: {والله لا يهدى القوم الكافرين} وفى ذكر المنافقين من هذه السورة: {والله لا يهدى القوم الفاسقين} للسائل أن يسأل عن وجه افتراق أوصاف المذكورين في هذه الآى بالظلم والفسق والكفر؟وهل ذلك لداع من المعنى؟
والجواب أن كل وصف منها إنما جرى على ما تقدمه لداع مناسب من المعنى أما الآية الأولى فإن قبلها قال تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله} وهؤلاء المقول لهم: {أجعلتم} إنما هم كفار قريش ممن ظلم نفسه بالتقصير في النظر وظن أن عمله من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كاف مخلص عند الله وأن المؤمن بالله واليوم الآخر المجاهد في سبيل الله ليس بأفضل حالا وعملا منه فرد الله مقالهم وقيل لهم: {لا يستوون عند الله} ومن ظن ذلك كما ظننتم فظالم لنفسه من حيث قصر في نظره مع تنبيهه على النظر في وجه مابه خلاصه: {والله لايهدى القوم الظالمين} وهم الذين سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون بظلمهم أنفسهم.
وأما الآية الثانية فكف ومنع للمؤمنين عن ارتكاب ماليس من شأنهم ألا ترى أن قبلها: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء} فنهوا عن موالاة من ذكر من آباءهم وإخوانهم إذا كانوا مؤثرين للكفر مستحبيه على الإيمان ثم قيل لهم: {ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} ثم أعقب بقوله: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم} أي إن آثرتم ما ذكر وكان أحب إليكم {من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره} أي أنكم إذا أنصفتم بهذا فقد خرجتم عن دينكم وفارقتم إيمانكم ولحقتم بمن كفر بعد إيمانه {والله لا يهدى القوم الفاسقين} والفاسق الخارج.
وأما الآية الثالثة فقبلها قال تعالى: {إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا}، ثم ذكر مرتكبهم فيه وتزيين ذلك لهم ولما قدر لهم من تماديهم في كفرهم فقال: {زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدى القوم الكافرين} فوسموا أولا بالكفر فقيل: {يضل به الذين كفروا} إذ لم يكن تقدم لهم إيمان ثم خرجوا عنه بل كانت حالهم التمادى على كفرهم الذي لم يتقدمه إيمان ولما ذكر بعض ما حملهم عليه كفرهم وأنه من سوء أعمالهم ومما زينه الشيطان لهم قال تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين} الآيات فوصفوا بالتظاهر بالاسلام ثم خرجوا عنه بشنيع كفرهم وقبيح مرتكباتهم ووصفهم تعالى بأنهم {يلمزون المطوعين من المؤمنين} ومن لا يجد إلا جهده إلى قوله: {ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله} ثم قال: {والله لا يهدى القوم الفاسقين} فلخروجهم ومفارقتهم ما قد كانوا تظاهروا به من الإسلام وصفوا بالفسق الذي هو الخروج والمفارقة من قولهم فسق الرطبة إذا خرجت من قشرها قال تعالى: {إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه} فقد وضح في كل آية من هذه أن ما انجر فيها من وسم من أريد بها وجرى ذكره قبلها يقتضى ورود ذلك الوصف على ما ورد عليه وأنه لا يلائم كل آية منها إلا ما أعقبت به والله أعلم. اهـ.